الجمعة 29 آذار 2024 الموافق لـ 19 رمضان 1445هـ

» إضـــــاءات قــــرآنــية

التأثير المتبادل بين القرآن الكريم‏ و الحديث الشريف‏


كلاهما - القرآنُ الكريمُ ، و الحديثُ الشريفُ - أهمُّ مصدرين للثقافة الإسلاميّة المجيدة ، عند جماهير المسلمين ، و على مدى القرون ، و لم يخرج على هذه المسلّمة سوى المتميّزين بالشذوذ ممّن لا يؤثر رأيُهم في انعقاد الإجماع أو حصول الاتّفاق .
و التأثير المتبادَل بين هذين المصدرين ، معروضٌ في مجالين كبيرين و هامّين :

الأوّل : في مجال الحجّيّة و التأكيد على المصدريّة .
و الثاني : في مجال التحديد لكلّ منهما بالآخر .

1. في المجال الاول
فقد بات واضحاً - عند أهل المعرفة الإسلاميّة - أنّ القرآن الكريم ، باعتباره المعجزة الإلهيّة الخالدة - هو من أهمّ أدلّة إثبات الرسالة و تثبيت قدسيّة الرسول المبلِّغ لها ، و الصادع بوحي القرآن نفسه ، و الحامل له على قلبه ، و المطبّق له على حياته و سيرته .
و لهذا يتميّز القرآن بكونه أقوى الحُجج على الرسالة نفسها ، و على حجّيّة الرسول‏صلى الله عليه و آله و سلم رسالةً ، و عملاً ، و قولاً ، و إرادة .
بل الآيات الكريمة المحتجّ بها على حجّية الحديث الشريف ، هي من أوضح أدلّتها و أشهرها و أبهرها و أكثرها إقناعاً عند الباحثين عن حجّية الحديث و السنّة .
كما تميّز القرآن بميزة القطعيّة و التواترِ ، فهو المصدر الذي لا ريب فيه ، بنصّ الوحي و تأكيده ، فإليه ترجع سائر الأدلّة عند الاختلاف ، و عند محكماته يقفُ كلّ نزاع و خلاف ، و هو القول الفصل و ما هو بالهزل .
ثمّ الحديث الشريف ما فتئت نصوصٌ متواترةٌ منه معلومة الحجّية ، تدعم القرآن بالتأييد و التبيين ، و النشر و التبليغ ، و طرق اُخرى كالتقديس و التمجيد ، و الحثّ على التداول بالحفظ و التلاوة و الكتابة ، إلى التدبّر و العمل و التطبيق ، و غير ذلك من متنوّع الأساليب ، حسب الأغراض و الأهداف و الغايات .
إلّا أنّ الحديث الذي يُستند في هذا المجال ، ليس من الضروري أن يكون قطعيّاً ، بل اكتفى علماء الإسلام - قاطبةً - بما ورد من الحديث ، و لو واحداً أو غيره ممّا لم يصلْ إلى رتبة القطع و اليقين ، فإنّهم عمّوا الاستناد بكلّ ما ورد ممّا لا يتنافى‏ مع أصلٍ قطعيٍّ أو فرعٍ ثابتٍ ، من أُصول الدين و فروعه ، فإنّهم متّفقون على جواز العمل به ، باعتباره مرشداً إلى ما هو من المطلوبات العقلائية التي وافق عليها الشرع بمثل هذا الحديث ، أو لم يخالفها بأدلّته المتداولة .
و هي في الغالب قضايا أوّلية معها من المرغّبات الحسّية ، أو المبرّرات الأخلاقية و الإنسانية ما يكفي للاعتماد .
و من هذا القبيل ما ورد في فضائل القرآن سوره و آياته و غير ذلك ، ممّا يُرغّب في تلاوةٍ أو كتابةٍ ، أو استشفاءٍ ، أو اصطحابٍ و حملٍ ، أو عملٍ و رُقيةٍ .
فإنّ سيرة المسلمين منعقدة على التسامح في أدلّة ذلك كلّه ، و على الالتزام بمداليلها رجاءً للمطلوبية الشرعيّة ، و للوصول إلى الثواب و الأجر ، الذي بلَغَ من خلال تلك الأحاديث ، التي أضفت على الأعمال مسحةً من الاستحباب الشرعيّ ، و لو انّها لم تتّسم بالانتساب القطعيّ - على بعض المناهج - للإثبات ، كما فُصِّلَ في مباحث الفقه و اُصوله .

2. و في المجال الثاني
- أعني تبادل التأثير في التحديد - فلا بدّ من التذكير بأمرين :
الأوّل : إنّ التأثير بالتحديد في الآخر ، إنّما يتحقّق عند وجود تعارض في البين ، و التعارض لا يصدق إلّا بين متكافئين في الرتبة ، و في ما لو كان المتعارضان في درجةٍ واحدة ، و بما أنّ القرآن الكريم قطعيّ الصدور ، كما ألمحنا ، فلا بدّ أن يكون ما يراد له معارضته ، كذلك ، قطعياً أيضاً .
فالحديث الذي يُراد منه تحديد القرآن ، لا بدّ أن يكون من نوع الحديث القطعي ، و هو إمّا بالتواتر ، أو بالقبول من قبل الاُمّة - جمعاء - حيث يرتفع الحديث بذلك إلى مستوى القطعيّ المعلوم .
و إلّا فالحديث الظنّي ، آحاداً أو غيره ، ليس له مقاومة القرآن و لا الوقوف إلى صفّهِ كي يفرض له مقارعته و معارضته ، لعدم هذا الشرط الأساسي في المعارضة .
الثاني : إن فرض التأثير بالتحديد ، يستدعي وجود التفاوت - و لو بشكل جزئيّ - بين الطرفين ، و إلّا فعند الاتّفاق التامّ بينهما ، بحيث لا يدلّان إلّا على شي‏ءٍ واحد ، فلا يكون التأثير إلّا من مجال الدعم و التأييد ، لا التأثير بالتحديد .
مع أنّ المرجعية - عندئذٍ - انّما تكون للقرآن نفسه ، لأنّه الأصل في المرجعية ، لكونه المتّسم بالقطعيّة ، كما أسلفنا ، فلا حاجة إلى الاستناد إلى الحديث ، إلّا على أساس الإرشاد إلى ما في القرآن ، و تبياناً له و تفسيراً .
و بعد :
فإنّ التأثير من جانب القرآن على الحديث ، إنّما هو في قبول الحديث - بعد قابليّته للوقوف في صفّ المعارضة - .
فقد أكّدت أحاديث كثيرة ، فاقت حدَّ الشهرة ، تدلّ على الأخذ بما يُوافق كتاب اللَّه ، و ترك ما يُخالِفُه .
و قد التزمت طوائف من المسلمين بهذه الأحاديث ، و اعتبروها من قوانين قبول الحديث .
و لكن طوائف اُخرى رفضتْ الالتزام بها ، و اعتبرتها باطلة موضوعة ، مخالفة لما دلّ على حجّية الحديث ، و قالوا : إنّه تحجيم لأدلّة الدين ، و حصر له في القرآن ، بينما الحديث تكبُر كمّية نصوصه بكثير على حجم القرآن ، بعشرات المرّات .
و يبتنى هذا الرفض على تصوّر أنّ المخالفة - التي يُردُّ به الحديث - تشمل كلّ تفاوتٍ بينه و بين القرآن ، و على هذا لا يبقى مجالٌ للتأثير بالتحديد ؛ للزوم المطابقة دائماً .
لكنّ المراد بموافقة الحديث للقرآن ليس هو المطابقة و الاتفاق التامّ ، و إلّا فلم يبق للحديث إلّا مزية الإرشاد و التأثير بالتأييد ، فقط ، و هذا أمر مخالفٌ لحجّية الحديث في عرض القرآن ، كما هو متّفق عليه بين علماء الإسلام ، بلا خلاف .
بل المراد بالموافقة هو عدم المخالفة لنصوصه الواضحة و لا لأحكامه الثابتة و المتّفق عليها بين أهل الحقّ ، ممّا أصبح من ضروريات الملّة ، من مرادات القرآن و دلالاته ، فإنّ الحديث مهما كان سنده - صحيحاً أو ضعيفاً - فلا بدّ أن يتوافق مع هذه الحقائق و تلك الضرورات ، و إذا كان مخالفاً لأيٍّ منها ، فإنّه زخرفٌ و باطل و مردود مهما كان صحيحاً ، بل كلّما ازداد صحّةً ازداد ضعفاً ، لمخالفته لما ثبت في القرآن .
كما لو كان الحديث موافقاً لهذه الضرورات ، موافقةً تامّة ، فهذا الحديث يُقبل من دون نظرٍ إلى سنده ، بل تجعل هذه ، الموافقة دليلاً ، على الصحّة ، فلا يُترك ما في الحديث من الحق لأجل ما يرى‏ في سنده من الضعف .
و لو كان الحديث موافقاً لهذه الضرورات ، و لكن تفاوت بما ليس منها ، بزيادة قيد أو شرط ، فإنّ الحديث البالغ درجة المعارضة ، يكون حينئذٍ قابلاً للتأثير في المدلول القرآني بالتحديد ، و هنا تبدو أهمّية الحديث و أثره العظيم ، حيث يتمّ به بيان القرآن و تفصيله و تفسيره به .
و أمّا المخالف لتلك الضرورات ، فإبطاله ليس إبطالاً للحديث كلّه ، حتّى يُجعل ذلك ذريعةً لرفض هذه الأحاديث ، بل هو تعيين للقابل منه للمعارضة مع القرآن ، لأنّ المخالفة تكشف عن سقوط المخالف عن الحجّية و الاعتبار ، فلا يرتقي إلى مستوى المقابلة للقرآن المقطوع بحجّيته .
و العجب ممّن أفرط بالحديث على حساب القرآن ، و نادى بمقولة : " حسبنا كتاب اللَّه " و وقف من الحديث موقف المنع من كتابته و نشره و التحديث به ، كيف يرفض " أحاديث الموافقة " بتلك الحجّة الواهية ؟!
و كما مُنِيَ القرآنُ بالتفريط فيه بالالتزام بالحديث على حسابه ، فالحشوية - من الفرق الإسلامية - التزموا بكلّ ما سمّي " حديثاً " فاعتقدوا به و بَنَوا أفكارهم و أعمالهم عليه ، في مجالات العلم و العقيدة ، و في مجالات العمل و الأحكام ، مطلقاً ، سواء ما كان بالندب أو الاستحباب ، أم بالإلزام و الإيجاب .
فأدّى هذا الالتزام إلى مخالفات رهيبة لضرورات واضحة في الإسلام عقيدةً و شريعة ، و تهزيز فظيع لملتزمات مجمع عليها بين علماء الاُمّة ، و إسقاط لمسلّمات اتّفق عليها المسلمون ، على أساس من أدلّة العقل البديهي ، و على أساس من النصوص الواضحة كالآيات المحكمة القرآنية ، و الأحاديث القويمة .
إلّا أنّ الحَشْويّة ، و استناداً إلى أيّ حديثٍ رُوي لهم ، و بأيّ طريقٍ - مهما كان و كانت - أعرضوا عن تلك الحقائق و رفضوا تلك المسلّمات ، بحجّة التزامهم بالحديث .
و لا ريب أنّ هذا الإفراط مرفوضٌ لدى العقلاء من علماء الاُمّة ، كما أنّ ذلك التفريط كان مرفوضاً لديهم .
و لم تؤثّر هذه الانحرافات في الحقّ الذي ثبت لدى المسلمين ، و من خلال المحكم من آيات القرآن ، و المسلّم من الحديث الشريف ، لقوّة الأدلّة عليه ، من جهة ، و لصمود أهل الحقّ و نضالهم و عزّتهم و إبائهم ، مهما قلّوا ، من جهة أُخرى‏ .
إنّ ما ذكرنا من مجالات التأثير و التأثُّر بين القرآن و الحديث ، و ما دارت عليه من محاور البحث و الدراسة ، و غيرهما ممّا لم نذكره ، هي كلّها بحاجة إلى دراسات واسعة معمّقة ، و مقارنة بين الآراء و المذاهب الإسلامية الحيّة ، بهدف توحيد وجهات النظر ، في سبيل تعبيد الطرق للوصول إلى وحدة المسلمين و تأصيل ثقافتهم و معارفهم .
و قد حاولنا ـ في هذا العدد من مجلّتنا هذه ـ تقديم ما تهيّأ لنا من الأعمال التي تدور حول بعض هذه المحاور .
و نُهيب بأصحاب الهمم من أعلام الفكر و العلم ، أن يقوموا بتكميل الأشواط للوصول إلى القمم المنشودة في سبيل تلك الأهداف المحمودة .
و اللَّه من وراء القصد

1614 مشاهدة | 15-05-2017
جامعة المصطفى (ص) العالمية -فرع لبنان- ترحب بكم

مناقشة رسالة للطالبة آمنة فرحات

أشكال السنن وصِيَغها في القرآن الكريم

العدد 54-55 من مجلَّة الحياة الطيّبة

ندوة كاتب وكتاب: الله والكون برواية الفيزياء الحديثة

ندوة كاتب وكتاب: التاريخ السياسي والاجتماعي لشيعة لبنان

زيارة للمجلس العلوي في منطقة جبل محسن

ورشة تقنيات قراءة في كتاب

ورشة تقنيات تدوين رؤوس الأقلام

ورشة أسس اختيار الموضوع ومعايير صياغة عنوان الرسالة

زيارة إلى ممثّليّة جامعة المصطفى (ص) في سوريا

زيارة إلى حوزة الإمام المنتظر (عج) في بعلبك

ندوة علميّة الذكاء الاصطناعي.. التقنيّات والتحدّيات

عزاء عن روح الشهيد جعفر سرحال

حفل توقيع في جناح جامعة المصطفى (ص) العالميّة

دورة في مخارج الحروف العربيّة

دورة إعداد خطيبة منبر حسيني

احتفال في ذكرى المولد الشريف

لقاء مع المستشار الثقافي لسفارة الجمهوريّة الإسلاميّة

وفد من حوزة الإمام الخميني (قده) يزور الجامعة

دعوة للمشاركة في مؤتمر الإمام الحسين (ع) والنهضة الفكريّة

صباحيّة قرآنيّة في حوزة السّيدة الزهراء (ع)

لقاء تعريفي مع طلاب حوزة أهل البيت (عليهم السلام)

زيارة المقامات الدينيّة وحوزة الامام الخميني (قده) في سوريا

دعوة للمشاركة في مؤتمر الإمام الحسين (ع) والنهضة الفكريّة

حفل تكريم سفير الجمهوريّة الإسلاميّة في لبنان

جلسة للجنة الفلسفة والكلام

مسابقة في حفظ أربعين حكمة للإمام علي (عليه السلام )

مناقشة بحث: الاجتهاد الفقهي بين روح الشريعة والمنهج المقاصدي.

المنهج التفسيري عند الإمام الخميني (قده)

الملتقى العلميّ السنوي الثاني للحوزات العلميَّة في لبنان

مناقشة بحث: أثر الزمان والمكان على موضوعات الأحكام

المسابقة العلميّة الثانية بين طلاب الحوزات العلميّة

صدور العدد (47) من مجلة الحياة الطيّبة